Friday, April 27, 2007

Tiffany's!







ألتقط أوراقي وفنجان قهوة لا يتناسب مع قيظ الظهيرة وأخرج لأجلس أخيرا إلى تلك الشجرة. انتهي في لحظات قليلة لا تكاد تناسب ترقباً عبر روزنامة الشتاء والربيع واختار اليوم مولدا يناسبة ويناسبها –الشجرة- التي تختار هذا الأسبوع مولدا أيضا، فتغريني بروق نضرتها الحمضية بالاقتراب. المس أوراقها الوليدة وزهورا تفتقت من رحم الأرض لتولد على ظهرها.
أجلس إليها وأرسم براحة لم أخبرها منذ أمد، بعدما أفرغت جيوبي المثقلة في رسائل

طويلة حمّلت على ظهور قوارب ورقية لترسو في أكف أصدقاء أشرعوا لي مخازنهم. تختفي الغيوم المتكدسة في عيني مع غياب آخر تلك القوارب في الأفق، فأتنفس بعمق وقد انحلت عقدة كانت تضيق بصدري. وابتسم بسعادة أودري هيبرن "هولي" وهي تقضي وقت فطورها بفرح في "تيفاني" تاركة حقائب همومها على عتبة محلها المفضل.
أركن أخيرا إلى الحرارة المتزايدة وأطلق سراح حنيني للشتاء الذي اعتدت رفقته للمرة الأولى في حياتي، شتائي الأول، بعدما بقيت لأيام أقع في حيرة كلما نظرت في المرآة مستغربة شعري الطويل وقد هجرته القبعات الشتوية؛ متى طال؟ وشكل ساقي الذي كنت قد نسيته، أفيق من سبات عميق. كيف تنقلب الفصول بهذه السرعة التي توقعنا في حيرة مع المرايا؟

Thursday, April 26, 2007

طفلتي الضائعة فاتنة أنتِ




لا أغرب من الكتابة اليوم، يلمني حنين لم أعهده للأمس البعيد، لمدرستي. لا تلك التي عرفت في مراهقتي ولكن كما كانت في طفولتي؛ مطعمة بحصص الموسيقى ومعلمة الرياضة التي لم تفق حصص الرياضة بعدها. تلك التي اكتشفت معها روعة أحذية التزلج. لملعب طفولتي، لمريولي القصير وجواربي الطويلة، لعروسة باربي مدسوسة بين الكتب، لحفلات نهاية العام وقبل ذلك كله؛ لرفيقات طفولتي، ترتسم ملامحهن ذات بغتة واحدة بعد الأخرى ولا مهرب منهن. كأن تقليب الذاكرة لا يكفيهن فيجهدن أكثر في تذكيري بعالم كدت أنسى. حتى على صفحات الجرائد وشاشة التلفاز يباغتنني. يبدو الأمر أكثر خرافة من أن يكون حقيقة لكن الحياة أكبر من أي خرافة. أسبوع حافل بهن بشكل غير مفهوم. فلم؟ لم يظهرن الآن أمامي فجأة! حتى افتتاني الحديث بالرقص الشرقي يذكرني بهن، بلحظات السمر الأنثوية البريئة بعيدا عن تعقيدات وتشويه التحليلات الذكورية، فألوم نفسي أن لم أتعلم المزيد منهن. من بين كل الأسماء التي مرت مؤخرا لا يهزني أحد مثلها. منذ سنوات وأنا أتذكرها كلما مررت بذاك السور الشاهق الذي يحيط ببيت كان بيتها، تلك الطفلة الشابة. معها تفتحت عيناي للمرة الأولى على أن قسوة الآباء في حرمان الأطفال من أمهات مكسورات ليس حكرا على المسلسلات. ربما لهذا لازال جسدي يقشعر وتضيق حنجرتي كلما ذكرتها. تلك الطفلة اللطيفة. أليس غريبا حين تتذكر أن طفل مثلك كان إنسان جميلا؟ صافيا كلون الحليب وبحلاوة طعم المربى، تلك الطفلة الحائرة ما بين جنبات قصر خاوٍ من الدفء وعامر بالقسوة، كيف حدث أن اختفت من بيننا ولم أعرف عنها شيئا أبدا، حتى اليوم أذكرها. واليوم بضراوة فائضة، أرفع عيني عن لوحتي المنتهية لأغيب في التلفاز للحظات مع مسلسلة لم أكن أتابعها وأحدق في وجوه أعرفها ولا أعرفها، فيتسلل إلي دفء حكايات ناعمه أحب لهجتها التي كانت قوت طفولتي، فأكاد أركن إليها حتى ينطلق صفير في رأسي فجأة، هل نرى حقا حين ننظر كيف لم يحدث أن لاحظت قبلا أن تلك الممثلة الفاتنة في شموخها تشبهها وتحمل ذات اسمها الغير تقليدي. أتكون حقا وجدت طريقها إلى أحضان أمها المنفية؟ هل آن لي أن أطمئن لأن تلك الطفلة الجميلة لم تُكسر؟
من المؤكد أن لاشيء يعدل دهشة الحقيقة، وبما أن لا مهرب هذه الأيام من وجوهن فقد أجد الجواب غدا يطرق بابي هو الآخر. ما أغرب الحياة.

Tuesday, April 17, 2007

عيون السخط النسوية


تنتابني نوبة ضحك أحاول ابتلاعها حتى لا تلتفت إلي عيون السخط. أسقط عينيّ على روايتي وأجهد في استعادة تركيزي في متابعة القراءة دون فاعلية. تطرق سمعي المزيد من الحكايا النسوية فأعض على شفتي لبتر أي ملامح ابتسام. ربما فقط في قبيلتي قد تغضب الأم من وقاحة خاطب يتجرأ على التفكير في ابنتها "الثلاثينية" التي " لا يستحق"، فتساندها كل نساء القبيلة!
تذكرني حكاياهم بتاريخي الذي لا أعرف منه إلا القليل. تاريخ ملكة حكمت يوماً أرضي وبعد أكثر من عشر قرون يبقي شيء منها في كل نساء قبيلتي. من ثورتها ونسويتها المفرطة. تلك التي آمنت أن الرجل لا يصلح للحكم كما تصلح له "الأم"، لأنه يحسن افتعال الحروب وهي إخمادها.
فبادرت لخلق الحلول وأبت انتظار الرجل المننقذ، دون أن تلق بالا لاعتراضات زوجها- أن المرأة للبيت– حتى تكشف أنه كان واهما حين ظن أن الملك له بعد أبيها.
يوم عرفت حكايتها بدأت أفهم نساء قبيلتي.

Monday, April 16, 2007

ثقل الحكايا




رأسي اليوم مثقل بالحكايا. أزيز الأسماء والأماكن يرتد صداه إلى كل الأصقاع، حتى لأرغب بسد أذني علها تصمت قليلا.
لم أعرف حين دخلت لأنقب عن تلك القصيدة الأخيرة التي كتبها صديق، أنه سينتهي بي المآل إلى كنز صغير قد يجتمع على أحد رفوف مكتبة مدبولي. عادة ما تصلني رسائله- هذا الصديق- الرزينة على جناح طائر يأنف الرحلات السريعة، فيطيل المقام بذاك الشط و ينشغل حينا بالتحليق مستمتعاً بفرد جناحيه وملامسة الريح. ومتى مل؛ يطلق سراحها لتقع بين يدي وقد اهترأت أوراقها وشاخ حبرها. كثيرا ما توقعني كلماته في حيرة فأبحث عنه في قصائده قبل أن أتمكن من الرد عليه. هل ننتظر من الشاعر أن يكون ملتهبا في كل ساعة كما في قصائده؟ كمثل ذلك الممثل الفكاهي الذي يخيب أمل معجب لأنه لم يجده مضحكا بالمرة حين قابله، أو أسوأ حين يلح عليه بسماجة منقطعة النظير أن يقلد له تلك الشخصية التي يحب! هل حقاً ننسى أنهم مجر "ناس" وبعيدا عن إبداعاتهم قد يعيشون ويتصرفون تصرفات لا تختلف عنا بشيء، لكننا نصر على البحث عن أثر تجاربهم في ملامحهم اليومية. معه أجد نفسي أقع في ذات الفخ وذات الحيرة مشتتة بين شاعر وصديق.
وفيما كنت أتحرى الرد عليه من وحي كلماته؛ وقعت عيناي على تلك المجموعة فنسيته والرسالة! واعتصمت وإياها و فناجين القهوة بعيدا عن الضجيج. لانسل من مجلس طه حسين كروانه إلى شيكاغو علاء الأسواني.
كثيرا ما يبدأ تعلقنا بالأدب بعمر مبكر في قاعات السينما أوعلى شاشات التلفاز، أو هكذا يخيل إلي، فمع غياب المكتبات وشح الكتب لا بد أننا نتعرف عليها من طريق ما. ما يشكل علي ولا أفهم هو لم يمكننا متابعة أدبهم مصورا في كل ركن وعلى كل رصيف ولا نكاد نجد بسطة صغيرة تؤمنها لنا في قالب كتاب. ما عيب الكتب؟

Friday, April 13, 2007

شهوة الكتابة


تتوقد فيّ شهوة الكتابة في أغرب الأماكن.
دفء المغيب يسري الخدر في حواسي، فيبدو لي قرص الشمس الأحمر أقرب من أي وقت مضى. تستدعيني تلك الحمرة لأبسط كفي إليها. لأمسح على وجهها. أحاول إخماد تلك الجذوة فتشتعل أخرى.
تتراءي لي شموس "مونيه" المخلدة مراراً في لوحاته. كم من غسق كان ليحبس، هل كان ليثمل من شمس تتكشف أبدا في ثوب البلور؟ ماذا كان ليفعل؛ إن كان يصدق أن الكون امتد و يعلو، أني أقرب في هذا الصرح الشاهق من قرص الشمس. بأن الناس سواء والعربات بحجم ثقاب تتناثر تحتي. أكاد أصدق أني قد أملأ كفي منها،منهم وبكفي الآخر ألمس خد الشمس.
يتدفق دمي بضراوة في صدغي. ابحث عن نَفَسٍ لا يكفي، أغمض عيني.
أضم يدي إلي حضني لاسترجع واقع يحيط بي، قبل أن تقنعني راحتي بضرورة أن تتوحدا مع حائط الزجاج الممتد أمامي.
لا يفترض بحجرات الأطباء أن تبعث على الحلم، أو توحي بالدفء! بل يكون بياضها جارحا و برودتها تتغلغل تحت جلدك مستحثة إياك على المضي إلى سبيلك!
يتلبسني تشتت لم أفلح في زعزعته حتى ساعة رحيل لم تكد تصل. تمنيت لو بقيت في حجرة الانتظار ولم ادخل معها. لم تنهار دواخلنا في ساعات شجْنا غير مؤرخة، بأماكن غير ملائمة؟
أعبث بحقيبتي بحثا عن متنفس لشتاتي، فتقبض كفي على "مرتفعات ويذرينج". استلها شاكرة عادة علمتني ضرورة دس كتاب في حافظتي قبل الخروج من البيت. أتردد للحظة لا تستمريء حكمة إشهار ثورة "هيثكليف" في فاصل بحث عن السكينة، لكن ليس أمامي غيره
.
تزداد تقطيبتي عمقاً وأنا أغوص في أخاديد كتابي، فأجد صعوبة في إزالتها لاحقاً وأنا أحاول كسر صمت يتلبسني أو رسم بسمة - ولو زائفة- أجيب بها دردشات الطبيب. واسكت حاجة غبية للإعتذار:سامحني ولكن حجرتك هذه أكثر أقوى من احتمال هدوئي.
!" ما أن نخرج حتى تسر لي بضرورة عودتها غدا؛ "ستأتين معي أليس كذلك؟

Wednesday, April 11, 2007

أكورديون على الدرب


منذ فترة والأكورديونات تتراقص في مخيلتي. يقفز إلى مقدمة الذاكرة أكرديون الطفولة بحمرته القانية، ونشاز منقطع النظير صاحب ضحكاتنا المجلجلة، خلال ذلك الهوس الموسيقي الذي اعترى طفولتي دون أن يمر بتجربة حقيقية.
على أصابع البيانو الصغير اكتشفت يوماً أنه ليس "لعبة" فقط. وبانبهار كامل كنت أجلس إلى جانبه، أقلب عيني ما بين ضحكته الشقية وأصابعه الرشيقة التي تمسح على أصابع البيانو، حتى يغيب في ذكريات لا أعرفها ينبثق معها صوت الحياة بين يديه، فترتسم الدهشة على قسماتي وتجعيدة أنفي الصغير وأنا أفكر يمكنني أنا أيضا فعل ذلك، لكن كيف؟.
ثم يظهر آخر متخفي بين طيات ذاكرة لا أكاد أميزها، يكشف عن وجهه فتكاد تشهق روحي شوقاً له ولطفولة مبكرة قضيتها في حضنه، وتوقضها صورة تجمعني به. أتأمل في عينيه المختبئتين خلف نظارته الشمسية، وياقة قميصه المفتوحة لتشي سلسلة تطوق عنقه، وأنا أجلس بدعة وأمان بين ذراعيه القويتين. حتى اختفى يوما ولم يخلف سوى جيتاره الأسباني وصور ربما لم تعد تشبهه...
اندهش اليوم أكثر وأنا أتذكر كم من مروا بألحانهم في ملاعب طفولتي، وكم الدم الذي أتشاطره مع بعضهم. وأتسائل إن كان أي منهم مازال يعيش موسيقاه كما كانوا يوم عرفتهم في عنفوان الشباب؛ طفلة تلعب على درجات سلالمهم الموسيقية. أم يكونون نبذوها كرعونة لم تعد تليق بأصدغتهم التي بدأ يخطها الشيب.
تراودني أحلام أكورديونات لأرسمها لا لأعزف عليها، وأفكر كيف تطال يدي أحدها. ترى هل يسمح لي أحد متاجرها باقتناص صور لاكرديوناته وبيانوهاته بكاميرتي الصغيرة؟ ماذا يحدث لو سمحوا لي بالجلوس لبعض ساعات هناك لأرسم؟ بحق الله الناس ترسم حتى في المتاحف!
بعيد المنال عن عيني لكن علّي أجد بعض الصورالجيدة بشيء من التنقيب.
بالأمس كنت أقلب في لوحات "
جبر علوان" فوقعت عيناي على لوحاته الموسيقية.
تصرخني المفاجئة؛ حين أجد سلسلة أكرديونية أحلم بها!

هذا الرجل يقتلني. ...

Solo In Red.... حيث لا يصل الربيع




اكمل اليوم لوحتي بشعور طاغ بالغثيان. أي جلد للذات يحثني على الولوج في مواضيع لا أحب. أغالب نفساً تزين لي نبذ اللوحة اللعينة لا لشيء سوى كرهي للهزائم؛ تلك المعلنة بالأبيض. أُستفز أكثر وأرسم بحنق وإصرار أكبر. تصلني أخبار معرض "جبر علوان" في ربيع الثقافة البحريني ويتفاقم إحساسي بالمرض. لا،لا، لا! لا يعقل! أيكون بهذا القرب؟ بهذا البعد!
أليس ظريفا أن يوقع بي حادث ولادة على الضفة المقابلة حيث لا ربيع ولا ثقافة، و "لا إناث" أيضا متى أمكن!
تأتي الرياح بما لا نشتهي...
علنا نتهادن يوما فتحملني معها إلى حيث لا تكسر القوارير.
من رحم المجهول ينبثق النور أمامنا فجأة، وكذا أمطرتني ألوان جبر علوان حين انبثقت نحوي ذات غفلة. أسقط عليّ وارتعشت يدي وأنا أقلب في لوحاته. كثيرا ما تعجبني لوحات لكن نادرا ما تسرقني الدهشة وأنا أجد نفسي فيها. في جبر علوان أجد حمرة روحي و زرقة ترانيم ترتل في أذني. أجد عزلتي، كتبي، تأملي، وحتى صخبي. أجد حضوري وغيابي و جل تناقضي.
أعود إليها اليوم وأتأملها مطولا، فتهزني بقوة تفاجئني. أهديء من روعي وأمسح أدمعي. كيف يكون أن يُعلِم بعض الرسامين الكلام للوحاتهم ؟ وكيف يحدث أن تتسلل همساتها تحت مسامنا لتدغدغ كل حواسنا. كيف نسمع صراخها و غناها، حزنها وحتى صمتها. وكيف يحدث أن نرقص انتشاءاً على وقع ألحانها الملونة.


-----


-- Solo in Red-- اللوحة أعلاه


للفنان جبر علوان.

-

وليمة روحية وجسدية هذا العلوان، هنا تجدونه: جبر علوان .