Monday, May 28, 2007

اختلال








تختل كل الموازين، تتأرجح بغتة فأبحث عن يد أتشبث بها. يد تدادي قلقي وحتى خوفي من أن أجد نفسي حقاً قبالة الشمس، أتنشق الهواء لا العوادم. أحيا من جديد.
أنظر إليهم بريبة وأأبى تصديقهم، متى ناديتُ لأجد الطيور تلتحم بين يدي صدقت. عندها سترتد في الروح – وإياهم- وأصدق. الآن لا يمكنني ولا أريد سماعكم... انظر إليهم بأعين خاوية وصوت لا حياة فيه. اتفلت من أصابعهم الممتدة نحوي وانسحب قبل أن تبرق عيناي بكل ما يعتمل بداخلي، قبل أن يتكسر صوتي. ابحث عنك، أي حماقة تجعلني أبحث عنك؛ الوحيد الذي ألجم جنوني وقلبي أمامه مع أنك الوحيد الذي يستفزني ويسخطني لحد أرغب معه بالشتم بصوت عالٍ؛ أنا التي لا تشتم أبدا! أنفض كفي وألقي بالهاتف بعيدا، تلك حماقة لن أرتكب.
يخرجني صراخ الهاتف من تأمل تناقضك وإياي، من التململ من سخطي منك وحاجة للوثوق بك لا تُشبعُها. تنطفيء مقدرتي على الكلام للحظة وأنا أسمع صوتها الغائب من عام، وعشرٍ أعوام قبلها. أرد عليها بكل تهذيب وكأن لا تاريخ أسود يجلس بيننا، ربما لأن الجراح القديمة تندمل ويغلظ جلدها فلا تعود تؤلم. اكتفي بالتحايا وأسلم الهاتف لأخرى قبل أن أخرج من الحجرة. ليس من الحكمة أبدا نبش القبور، دعوا الموتى ينامون والماضي معهم.
أي جنون يكتنف هذه الأيام.

Wednesday, May 23, 2007

أنا قنديل البحر




يطبق الدوار على رأسي فأخرج من غيبوبة نوم لأدخل في أخرى. تنطفيء جذوة النهار في عتم الليل ثم تتقد من جديد. انهض ويتأبطأ ذات الدوار ذراعي. تنتابني هلامية عجيبة أكاد أجزم معها أن لم تبق عضلة واحدة في جسدي المنهك. تذكرني تلك الكتلة- أنا- بطفولة على البحر وشاطيء مليء بقناديل البحر. إلى أين رحلت قناديل البحر؟ تلك التي كنت أتجنب مسها لا وعياً بخطورتها لكن تقززاً من هلاميتها المفرطه. أنا قنديل البحر. قالب جلو متحرك وربما أفكر كواحد وأنا ألمس جسدي من آن لآخر لأتأكد أني لم أتحول لكيان رخوي أحسه.
أجلس أمام حامل لوحاتي عليّ أتشجع فأنهي لوحة كنت قد بدأتها، لكن احتمال تنظيف لوح الألوان يكفي لأهرب بعيدا، قبل أن أصل للتفكير بمصدر الطاقة الذي يفترض أن أرسم به.
تخبو شعلة الكافين التي اجترعت سريعا وتتبخر ذراتها قبل أن تلتحم بدمي. تتمايل الكلمات أمامي في لحن لا أسمعه. حتى غضبي منك اليوم يتلاشي كأن لم يكن وأطلق سراح وجع كان ينوي التشكل بداخلي منذ الأمس إثر تجاهلك المدروس. أطلق سراحك أيضا لتذهب أنىّ تشاء. أخطو خطوة إلى الوراء لأرانا كما نحن لا كما أريد وأطمئن لأننا لسنا سوى عابرين استظلا ببعضهما ذات ظهيرة قائضة ثم تابع كل منهما طريقة.
تتتابع الصور في رأسي في لحظات الصفو. فقط لو يرحل هذا الدوار وإلا كيف يرسم قنديل البحر؟ هذا اليوم لا يفوّت.

Sunday, May 20, 2007

جاتلي زغطه








استمع لشكاواها بكثير من الهدوء. تتابع سردها وبصمت أسمعها. أقطب جبيني وأعدل من جلستي على أريكة تجمعنا. أتأمل في اللوحة الداكنة المعلقة بقربي وأتسائل إن كانت مرسومة باليد أم مطبوعة. ألجم شتاتي و تعمق التقطيبة المحفورة بجبيني وأنا أحاول استعادة تركيزي المتقافز على الحوائط. أنقب عن كلمات قد تطمئنها. أتلكأ، أتلعثم، أبحث بيأس متزايد... أمسك أخيرا بطرف بعضها وألقيها بين يديها. يفزعني هذا البرود العاطفي تجاه مشاكل الآخرين؛ هل حقا أصبحت بهذه القسوة فبت أستسخف مشاكلهم المفتعله؟ هل حقاً قلتُ مفتعله!
انظر إليها في سرد جديد لشكاوى آخرين يعنونها لا أكاد أعرفهم، تغرقني تفاصيلهم في بركة خجل وأنا أحس بأني أتلصص عليهم من شباك مشرع ذات غفلة منهم، فأرغب بإغماض عيني واستغشاء ثيابي عليّ لا أسمع، أعض على شفتي فأوجعني لئلا أخجلها وأخجلني.
انظر إليها فلا أعرفها ولا أعرفني. أسرّح قدمي من سجنهما الشاهق وأضمهما إلي. تتبخر كل أحلام البوح التي كنت أسول لنفسي قبل أن أجيء وأتلو بصوت خافت كدرس صعب أحاول حفظه. يتداعى كتفاي وأنزلق في أعماق مقعدي. لا... معك لن أستطيع الكلام ومجددا سأكتفي بابتسامة مذعورة حين تكتفين البوح وتسألين عني وأنا أجيبك بعد لحظة مثقلة بعبء كذب أكره اقترافه؛ بخير. نعم أنا بخير!

--------


* حاله كده

ماعرفش ليه تنحت للدنيا كده

فجأة لقيتني مسكون بالملل

لا عندي رغبة في البكا و لا في الكلام

ولا عايز انام

ولا حتى باسأل ايه ده ايه و اخرتها ايه و ايه العمل

و اخاف اقول لأي حد لحسن يقوم يقلبها جد

حد صاحبي ينزعج يمد ايده جوه قلبه من باب الكرم
عشان يشاركني الالم
او يستلفلي من لئيم حبة أمل

حالة كده ما اعرفش ايه
-
الفرح شاطر و الحزن شاطر و البحر غادر باقوله حاضر
-
حالة كده ما اعرفش ايه
لا معاها ينفع كلمتين ولا غنوتين ولا لقطة من البوم صور
ولا ادي قلبي في الهوا ويا الكور
اخاف اقول لأي حد لحسن يقوم يقلبها جد ..

حالة كده ما اعرفش ايه

-
الفرح شاطر
والحزن شاط
والبحر هادر
باقوله حاضر
أنا لسه قادر .. في الحزن أفرح
-

حالة كده مالهاش معاد
ساعات تزورني في الربيع في الحر و في عز الشتا
و تجيب حاجات لا فيها الروح ولا ميتة

لكني بارجع منها بعد السكات
فاهم شوية في اللي فات
حاسس اوي بحضن الصحاب
محظوظ انا
ساعات باشاور ينفتح لي الف باب
لكني باغلط في الحساب
ما اعرفش ليه
ما اعرفش ليه
-
الفرح شاطر
والحزن شاطر
والبحر هادر
باقوله حاضر
أنا لسه قادر في الحزن أفرح
-
نايمة العيون ..
ساكتة الشفايف
دمعي يهون ...
و القلب خايف
دمعي يهون
والقلب خايف
و انا لسه قادر في الحزن أفرح

مليان جروح .. لكني عاقل
انا مين أكون ولا حد سائل
و انا لسه قادر في الحزن أفرح

Thursday, May 10, 2007

ليل بطعم الصبح




استسلم أخيرا لانزعاجي وامنحه الحق بالإفصاح عن نفسه؛ بالصراخ بكفى! احتمي من صخب ضوئي يطاردني منذ أيام ويصم عيني كأزيز الأظافر الطويلة على الحوائط. تتوسع حدقتاي وتجلسان باسترخاء في عيني خلف ستار نظاراتي الشمسية الكبيرة، تلك الراحة التي لا يعرفها إلا المجهدون بعد يوم عمل شاق وطويل في إناء ماء دافيء يذيب ذرات التعب المتكومة فوق أقدامهم. راحة الأرض الظمأى ذات ظهيرة قائضة لحبات مطر تربت على ظهرها وتطعم صغارا تضمهم لقلبها. لكتفيك المجهدتين تستسلمان لراحتين تعمدانك بطقوسها و تدغدغك بأطراف الخدر اللذيذ.
تخفت الضوضاء واستلقي في أحضان عالم مصبوغ بدفء بني هاديء بعيدا عن سمات الخدش. كل شيء رائق بالبني. بلون الرمل، بلون الأرض، لوننا نحن. تعرض ابتسامة بطعم الشوكولاته السويسرية على شفتي ووشوشات الصلاة تتسلق نافذتي المشرعة- هي مع ضوء القمر- والتقط نظرة صباحية السمات في مرآتي.
استبق تعليق ليلى المتوقع
(How tacky!)
واضحك ملأ قلبي كما لم أفعل منذ أيام. دعيني يا ليلى؛ فأمامك قروية مرتاحة.

Tacky is in! اليوم

Sunday, May 6, 2007

تلك الحواء البكاءة




اليوم انقلب إلى حواء بكاءة لا أحب رؤيتها. مذ شرعت بقراءة ما حمل إلي وهذه الدموع لا تمل ولا تكف، بل وتجرف بوقاحة كحلا أسكنت بعيني لتوطنه على خدي دون استئذان. اقرأ في أوراقي التي كنت قد نسيت ولم أعرف أنه يحفظها عنده أو لمَ. أقرأ أشياء كثيرة تشبهني أم أنها كانت تشبهني؟ يوقعني في حيرة كبيرة ويخرج هكذا ببساطة. اقرأ تاريخ الحب، عن العاشقين، عن حكاية كانت هُما. هوامشي، عبثي، ضحكي حزني وفرحي كلها يضعها بين يدي ثم يذهب. ينشد السياب : " مطر مطر مطر... أتعلمين أيَّ حُزْنٍ يبعث المطر؟ وكيف تنشج المزاريب إِذا انهمر؟ وكيف يشعر الوحيد فيه بالضّياع؟ بلا انتهاء – كالدَّم المراق، كالجياع، كالحبّ، كالأطفال، كالموتى– هو المطر! "
اقرأ المزيد وتنهمر المزيد من أمطاري السوداء دون أن تفلح في إخماد حريق أشعل بداخلي ذاك الحالم الساخر، رجل التناقضات.

حين جمعتنا تلك الطاولة حيث امتزجت أوراقك بألواني لتتمخض عن قالب واحد، حينها آثرت البحث عنك في سطورك المقلمة على شرخ جدية كانت ثالثتنا ولم أعرف من دعاها لحضور اجتماعنا وفضه سريعا. وها أنت بعد سنوات تسر إلي بأنك تفعل ذات الشيء فتبحث عني في لوحاتي. حين وجدتك واقفاً بعتبتي بيد ممتدة نحوي وجبين تلتمع عليه حبات القلق شعرت بأن صديقا قديما عاد من سفر بعيد وبدا طبيعيا جدا أن أسلم إليك يدي ونتشاطر ما فاتنا من عمر وما سيكون.

اليوم فقط كنت تسألني إن كنت أبكي ومع رحيلك ها أنا أبكي.

من أين جئتني يا رجل وأناّ لك هذه القناعة المخيفة التي أرى في عينيك وفي قبضة تأبى أن تفلت معصمي. من أوحى إليك بأني قطة وليدة عليك حمايتها. ومن يحمي قلبي من التعلق بعطفك الفائض ورجولة باذخة تسكنك !

Thursday, May 3, 2007

شعر، مراوح وكاستانايت




مؤخرا تختفي مقدرتي على قراءة الشعر ولا أقرب أيا من الدواوين المكدسة في مكتبتي. لا أستطيع ولا أريد. لا يكفي أن أقرأ أريد أن أسمعها! علاقة الشعر بالأذن وثيقة وأنا امرأة تحب أن تسمع.. أملأ جهازي الموسيقي بكل ما تطال يدي من الأشعار التي أحب, وحين أسمعها لا أعود أرى الكلمات الباهتة المرسومة على الأوراق سوى نسخة مزورة. استمع إليها بنهم وأحلم بأمسيات على ذوقي قد أحضرها. استمع إليهم بشتى اللهجات، تلك التي لونت طفولتي وارتسمت بسمات واسعة على وجوه صغيرات كونّ عالمي. يخيب أملي بعض الشيء وأنا استمع لإلقاء بعض الأصدقاء الذي لا يرقى لمستوى أشعارهم، فذاك فن آخر يجب احترافه، لكن قلبي لا يسمح لي أن أقول لهم ذلك، واحتفظ بتلك أيضا.
أقلب بمحض صدفة بالتلفاز فأشاهد برنامجا لا أتابعه لتنسرق أنفاسي مع إلقاء "رودي رحمة". اتقرفص على الأرض ووجهي يكاد يلامس التلفاز كما كنت أفعل وأنا طفلة حين أجد مسلسلة كرتونية أحبها فأتسمر أمامها وأنسى كل ما عداها. مع رودي عدت تلك الطفلة وأنا أكف فمي بأصابعي كأن الكلمات ستنسحب رغما عني لتسرق تركيزي وتشوش علي كلماته أو تحجب عني البروق المشتعلة في عينيه. وما أن ينتهي حتى أصفق بحرارة وفرح طفولتي وأنا أرى طائرتي الملونة ترتفع أخيرا لتحلق في السماء. كيف أقرأ شعرا بعد الآن؟ حتى جهازي الموسيقي قاصر عن التقاط تلك البروق في عيني رودي!
استيقظ اليوم بعيد الفجر لأرسم، أخرج إلى الفناء والتقط زهرة صغيرة بعد تردد طويل وشعور بالذنب وأنا أرى النحل يتنقل حولي من زهرة لأخرى وأخشى أني أحرم أحدها من طعامه! أتذكر أني لم آكل منذ صباح الأمس وأقرر أني سأكافيء نفسي بفطور من الجاتو والكافيين. من المضحك أن نتعامل مع أنفسنا أحيانا كما نعامل الصغار، خاصة حين نكافئ أنفسنا بأشياء لا نريدها أصلا!
أتابع صباحي مع "كارمن" و"ماريا كالاس"، أرى صورة صغيرة لما قد تكون عليه تلك الأوبرا التي أعشق على المسرح بكل جنون وعشق و دراما الغجر والمسرح والأوبرا. حين تغني بلسانك وقلبك وجسدك، حين تغني بروحك. تذكرني بتلك الكاستانايت (الصناجات الخشبية) الأسبانية السوداء التي كنت أملك في صغري، و لاحقا تعب تلك السيدة اللاتينية وهي تحاول أن توصل إلي – مراهقة حائرة- أن الرقص ليس حركة فقط بقدر ماهو معركة! منافسة ثورية أخوضها مع آخر. أنقب في أشيائي القديمة فيما أكتب واستخرج ذلك الشريط الأسباني الذي لازمني غير أمسية وبعد ظهيرة وأنا أحاول متابعة تعليماتها و أتذكر أيضا أني لم أكن لأرفض بعند أحد الأدوار الرئيسية مهما كان يدفعني خجلي من الأضواء لذلك لو كنت رأيت فقط ذلك الثوب الأحمر الرائع!
أطالع "كارمن" صورة موسيقية حية بالألوان وأفهم افتتان ذلك الرسام بالراقصات اللاتينيات الاتي يملأن لوحاته. أتشرب كلماته لما وراء تلك اللوحة الدراماتيكية لتلك الراقصة الأسبانية باستدارة ثوبها، خفقة مروحتها وملامح الألم والثورة التي تتقمص وجهها واختلاجات جسدها. أجهد في البحث عن تسجيل لتلك الرقصة، لموسيقى سكنته ويعيد اقتناص لحظة ملونة منها على أوراقه كل فترة. استمع لتلك الموسيقى الحزينة ، تلك الخطوات الواثقة، انظر إليهن وأفهم افتتانه. أتسائل كيف يمكنك ألا تكون فنانا حين تعاصرهم أولئك الذين يستدرجونك إلى عالم الخيال وكيف لا تلتهب كل حواسك وطاقاتك معهم. أتأمل في صورته المضحكة وهو شاب صغير بشعره الثائر يحتضن جيتاره قبل أن يسرقه الرسم واستدرك حماقتي حين أفكر بأنه قد يكون الوقت فات على أن أرسم كما أحب و أنا بعد أحبو في عامي الرابع فيما أراه اليوم رائعا تماما في عامه الخامس والعشرين.