Friday, February 8, 2008

على أكتاف دبِقة


أسرف في تعلقي ببسكويت الشوكولاته وافتقد وجوده إن مر يوم دون أن يجلس بسحنته الداكنة وقلبه الأبيض على مكتبي. ينتعش غرام الطفولة به فأبحث عنه. أتذكر كل ما يقال في الحب والشوكولاته. هل حقا نبحث عن المواساة في أحضانها دونما انتباه منا؟ هل يغني لوح شوكولا عن الحب؟ آه أن نرمي بحمولنا على حلاوة كتفها الدبق؛ تلك الشوكولاته! يبدو ذلك أطرف وأسخف من أن يكون حقيقا. ما أحلى الحياة الطريفة السخيفة، تبدو مريحة.
يوبخ تعلقي بها وفقداني لإتزاني الغذائي المحموم أنا التي كنت لا أرى الحلو إلا في المناسبات. يعدني بأرطال لن تقوى ثيابي على حملها إن لم أكف. أقطب في وجه وقاحته ثم أعده بنزق بالإلتزم ببرنامجه الرياضي فقط ليكف عن إزعاجي.” مازلت أجمل وأرشق منك أيها الوقح!”. أهدده بالخربشة بفرشاتي الملأى على وجههه إن لم يخرج فورا من مرسمي، تتردد ضحكاته في الأرجاء قبل أن تنساب متقصية آثار خطواته الرشيقه إلى البهو الخارجي..
.

في وجه البحر ابتسم. يغمرني تناقض دفئ الشمس والنسمات الباردة، دوما أحببت التناقضات... أشعر بامتنان مضاعف لإلحاحه الذي أتي بي إلى هنا. أتجنب خطوات العابرين حولي وأبحث عن مساحة تحتويني لا يشاركني فيها أحد. أتجاهل الجميع حولي وأتخيل أني وحدي هنا دون عربات أطفال تحاول فرم أطرافي، دون قناصين يبحثون عن فريسة جديدة أو مهرجين يبحثون عن مكب لنوادرهم السمجة. في هذا الزحام وحدي مع البحر والشمس.
تشدو فايزة أحمد في أذني تغني نزارا....
لا تدخُلي
وسددتَ في وجهي الطريق بمرفقيكَ، وزعمتَ لي
أن الرفاق أتوا إليك، أهُمُ الرفاق أتوا إليك
أم أن سيدةً لديك تحتلُ بعدي ساعديك ؟
وصرختُ محتدماً قفي ! والريحُ تمضغُ معطفي
والذل يكسو موقفي… لا تعتذر يا نذلُ لا تتأسف
أنا لستُ آسفةً عليك، لكن على قلبي الوفي
قلبي الذي لم تعرِفِ . ماذا لو انكَ يا دني أخبرتني
أني انتهى أمري لديكَ. فجميعُ ما وشوشتني
أيامَ كنتَ تحبنيَ ؛ من أنني …
بيتُ الفراشةِ مسكني وغدي انفراطُ السوسنِ
أنكرتهُ أصلاً كما أنكرتني
لا تعتذر
فالإثمُ يحصدُ حاجبيكَ وخطوط أحمرها تصيحُ بوجنتيك
ورباطُكَ المشدوه يفضحُ
ما لديكَ ومن لديكَ
يا من وقفتُ دمي عليكَ
وذللتنيَ ونفضتني
كذبابةٍ عن عارضيك
ودعوتُ سيدةً إليكَ وأهنتني
من بعد ما كنتُ الضياء بناظريك
إني أراها في جوار الموقدِ؛ أخذت هُنالك مقعدي
في الركن ذات المقـعدِ
وأراك تمنحها يداً مثلوجةً؛ ذاتَ اليدِ
سترددُ القصص التي أسمعتني
ولسوف تخبرها بما أخبرتني
وسترفع الكأس التي جرعتني
كأساً بها سممتني
حتى إذا عادت إليكُ لتروُد موعدها الهني
أخبرتها أن الرفاق أتوا إليك
وأضعت رونقها كما ضيعتني
-
يجذبني حقد كلمات نزار أكثر من أناقة ما غنت فايزة، ربما لأني لا أجيد نفث غضبي حمما بركانية بدل من عواصف الثلج....

تصلني صيحات خافتة من البعيد لا أتبينها. انظر حولي باحثة عن مصدرها، على وجه الماء أجدها! تتسمر قدماي و أنظر ...
آه... طيور الفلامنجو... يمتلأ قلبي دفئا بمنظر تلك الطيور بسيقانها الرشيقة وأطرافها الوردية. اتأملها طويلا طويلا بفرح طفولي لا يشوبه شيء... من كان ليظن أن أهل الصحراء لهم نصيب من ذلك الجمال، لم أعرف أبدا أنهم يعرجون علينا في رحلاتهم الشتوية.
ما أطيب منظرها.... لو أمكنني التزود منها كل يوم بدل بسكويت الشوكولا
!

أعود لبيت ممتليء وجلسة لا أرغب بالمشاركة فيها... تشكو إلي حال ليلى"بكاءة هي؛ ليتها تكون مثلك!". انظر إليها غير فاهمة. لا أعرف إن كان ما أسمع مدحا أم ذما. اضحك بعد لحظة وأجيبها: بكينا كثير وبعدين؟
استبين حقيقة أني لا أذكر آخر مرة بكيت فيها وإن في عزلتي خلف الحجب... معه بكيت كثيرا ولم أبك بعده. "أحب أن أراك تبكين، أريد أن أُبكيك"... لم نفترض بغباء أن أي شيء لم نشهده يعني أنه لم يحصل.
دوما تستيقظ فطرتي النسوية في حضرته وأتوجس من استيقاظ نزعة للقسوة قد تسكنه، فأستحضر تاريخ قبيلتي ونساء تسِم النسوية جباههن ليحمينني ...
استنفذ طاقتي للدموع ويريحني غيابها؛ لا تريحني. ثم كيف لي أن أوازن بينها وبين الفرح، قسرا أتعلم الفرح حتى يغدو عادة. أتبادل الأماكن و ليلى، أفقد دموعي و تكتسبها أنهارا. أشاطر حزنها ووحدي أفهمه، لكن كل منا تتعامل معه بطريقتها هي دموعا وأنا فرحا!

* اللوحة أعلاه لـ جبر علوان