Friday, February 15, 2008

أصص وخضرة روح


تورق أخيرا... بعد قحط وعراء سكنا هذا الفناء لعام وبعض عام لغير ما عذر مقبول تبعث فيه الحياة. انظر للأصص القليلة الموزعة في انتظار غرسها، أتذكر بحنين كل الخضرة التي كانت... عبق الياسمين، حمرة التوت وأوراق الليمون العطرية...
هناك كانت تتهادى زهور الشمس باسقة ناح السماء، معها اكتشفت أن الببغاوات تعرف الطريق إلى بيتنا فقط لو زرعنا لها زهور الشمس!
أذكر نفسي بحمد تلك النعمة الصغيرة – تلك الأصص الخمسة- لتربوا وتفيض على الفناء القاحل.
حين استحال رملا أصفر لا تسكنه الحياة كرهت لحظات المرور به، انتابني شعور كريه بأنه أصبح انعكاسا لساكنيه، انعكاساً لي... يعري دواخنا بعد أن كان يستر عري أرواحنا بأوراقه الخضراء. صرت اتجنب النظر إليه حتى لا أراني فيه.
اليوم يورق ببطء... قليلا قليلا يعود ويحيا. رويدا رويدا.
حول حوض الماء الصغير تتجمع الطيور كل صباح لتشرب، وكل صباح أحضر فنجان قهوتي و أعرج على نافذة المطبخ حتى استقي من منظرها وأروي روحي. واليوم يورق الفناء... يورق من جديد. تعود الحياة إليه... إليّ؟...
حين تقتحم أفكاري أحاول تجاهلك بشراسة فأجد رسائلك بين يدي... اكتشف أني لم أفلح بعد في غلق نافذة ميتافيزيقية تصلني بك. في لحظات نادره يمر عليّ عالم يعنيك أن تدركه فانتعل حذاء واطي برباط صارم و أرسم على وجهي تقطيبة وشنب قبل أن أكتب لك سطر أو اثنين يدلونك على طريقه وأهرب إلى ما وراء النهر...لست سوى أحد رفاق قهوتك الليلية وأحاديث الكتب وإياك أن تنسى فلن أنسى!... أعرف أنك تقرؤها بين السطور لكننك تتجاهل بوز حذائي العريض وشنبي الكث... أجيب بكلمات تناسب دوري المتقمص...تمتعض و تسكت
.

كل عام وأنت ومنك وإليك الحب.

أتأمل بطاقتك وتملؤني رغبة بالبكاء! لازلت تملك القدرة على استدراج دموعي إذن. أرفض الانصياع لها فترحل سريعا. أعض على رغبة بالضحك تنبعث مكانها و أنا أتذكر أبي نواس و "داوني بالتي كانت هي الداء"، وحلم بأدونيس يمحوك من عالمي بخصلاته الشقراء وعيونه العسلية وعفويته المفاجئه. مذ رأيت ذاك الحلم اطمأننت لأن الحياة ستستمر بعدك.
أجد أني لا أملك ما يكفي من الشراسة لأفصح لك عن كل ما يعتمل برأسي وما تستحق، وحتى لا تشير إلي كمصدر لأي وعكة صحية تلم بك كما كنت تفعل متجاهلا رأي الأطباء كحماقة لا تفقه القلوب. أقرر ألا أشركك بها فأدون
بعضها حتى أفرغك من رأسي بسلام بدل أن تترسب قرحة تخترق جدار معدتي... من قال أن الكتابة للأدباء فقط.