Sunday, February 17, 2008

حتى لا تتشاجر الألوان


اضبط منبهي على الرابعة فجرا، بعد حين استوعب أن الصراخ الذي يملأ الحجرة ليس جزءا من كابوس آخر إنما المنبة.
استيقظ وتراودني نفسي بالعودة للنوم، أرفض وانسل من فراشي سعيدة بعتمة ما قبل الفجر.
اليوم استيقظ دون المنبه، الذي كسرت في آخر تقلباتي الليلية التي لا تنتهي بحثا عن منام مريح أكثر، بعد المرة المائة بعد الألف لا يفيق من الإطاحة به عن الكوميدين ويخر صريع قلقلتي. انظر لساعتي فأجدها الرابعة. أميل أكثر لاتهام سلبية أخي تجاه منبهي و نقمته على أوقاته الغير حضارية في القضاء عليه، فهو – المنبه- متعود على خبطاتي ثم ضرب الحبيب لا يقطع النفس!.
في البدء كانت تلك الساعات الأجمل للرسم فطمعت في استحلابها يوميا، أما وقد اصبحت عادة الآن كففت عن استثمار هذا الوقت في الرسم... انهض لفنجان قهوة هاديء وإفطار رائق... كم يختلف الإفطار حين لا يكون محطة ترانزيت. أحضر سلطة من الفواكة وانساق في تنسيق الوانها. أتذكر "جريت" وهي تقطع الخضار لأمها ثم ترتبها كل على حدى، وحين يسألها الرسام فيرمير لم تختار هذا الترتيب ترد : حتى لا تتشاجر الألوان. في رواية "فتاة بقرط لؤلؤي" للكاتبة ترايسي شيفاليير كانت جريت الفتاة التي استقدموها للخدمة في منزل الرسام يوهان فيرمير ووحدها كان يسمح لها بدخول مرسمه وتنظيفه.
انظر إلى سلطتي ويريحني ألا تتشاجر الألوان.
بحلول التاسعة أجد مساويء الشذوذ عن العوام و تغيير ما لا يلزم، أجد لدي متسع لا أعرف فيم املؤه سوى بإفطار ثانٍ! اترك الكتب مشرعة وأنا ضائعة بينها، أريد أن أقرأها كلها فأضيع بينها. أجد ترجمة عربية لـ فينوس وأدونيس لـ شيكسبير التي لفت رأسي خلال اليومين الماضيين بانجليزية عسرة على هضم استيعابي، اقلب فيها ولا أحبها كثير وأقرر العودة لعسرتي السابقة. ألمح الدنيا المسحورة لـ سيد قطب وأتذكر أني لم أقرئها بعد! أقرأ بضع صفحات وأسعد جد أنها تتابع حكاية شهرزاد و شهريار في الليلة المائة بعد الألف. من فترة شاهدت فيلما تلفزيوني أجنبي من جزئين عن ألف ليلة وليلة أو
Arabian Nights
كما يسمونه في ترجمته الإنجليزية، وأتذكر كم أحببت تصوير الممثل لدور شهريار على شفا حفرة من الجنون. الآن يرتبط وجهه لدي بصورة شهريار. دائما تلفتني – في الأفلام/الروايات - الشخصيات الغير سوية أو تفتقر لشيء من الإتزان كيف يحدث أن نتشتت هكذا ونحن نقرأ شيئاً نحبه؟ أقرر أني بحاجة لتركيز أفضل لمتابعة رواية سد قطب فأتركها لأجل لعله قريب.
يبدو الإفطار هدنة معقولة جدا، وأكثر متعة من ممارسة التمارين الرياضية... أهرب إليه حتى أرسم خطة عمل/قراءة واضحة. مع الضحى تحضر أمي، استمع إليها وأوقن بحاجتها لكنائن تمارس عليهن دور الحماة حتى تقدر الهبة – أنا – التي وهبا الله إياها وعندها لن احتاج لتذكيرها بأني ابنتها ولست كنتها!. يطير رواق الصباح وحين تسول لي نفسي التأفف أذكرها –نفسي- بأني كبرت *(أخوك الكبير يا ولد! ( وأفلح في كتم تأففات مراهقة لم تزل فيّ. سريعاً تعود نغمات الانسجام وتخرج مبتسمه.
القرب المبالغ مع الذين نحبهم يغتال علاقتنا بهم، لا يبقى من حيز للتنفس وبدل أن بحث عنهم كل يوم ونمطرهم بوابل من الهواتف تطمئن تسأل تشكي.... نبحث عن لحظات نشتاق فيها إليهم. أمي أريد شقة، فتجيب ألا تكفيك حجرة؟ خذي الغرفة الفلانية شرحة واعتبري ان ذلك الجزء من البيت لك، لن نطأه إن أحببتِ. أقطب و تضحك. جادة أنا، أحتاج لمساحة خالية إلى مني. تنظر إلي ولا تفهم. افقد الأمل في إيصال قصدي إليها دون إزعاجها، ما المزعج في أن نريد أعشاش خالية؟ هذا عش مأهول وأحتاج مساحة جديدة تخصني. فطرتي هنا سوية تماما ولا رغبة لدي بالتعلق بمريلة أمي أبد الدهر. هكذا فطرنا... وإن لم يكن ما لقنت بأي شكل. يخطر لي أني لم أحلم يوما بفستان أبيض و فارس على حصان أبيض. بالعكس كانت الصورة منفرة تماما لتمردي ورفضي للقمع والتسلط. كيف يحدث أن ربطت الاثنين ببعض؟ وفي حين كنت استمتع بالحلم مع الروايات الرومانسية لم أستطع ربطها بأرض الواقع. وقررت إن لم توجد حياة كتلك التي يحكونها في الكتب فالله الغني! يخطر لي حديث الفساتين والفرسان لأني قبضت على نفسي غير مرة أتابع عروض لفساتين أعراس بتمعن، وأرسم أشكالا برأسي لما قد يناسبني - وهو ما لم أفعل يوما- ويبدو غريبا وطريفا للغاية! حلمت بالطفل لا بالزوج، و حين يسألني أحد طيب يا فالحة ما الزواج هو الطريق إلى الأولاد كنت أجيب بثقة و جدية: سأتبنى!
اكتشف أنه عالم بأسره لا أعرف شيئا عن الحلم به أو التعاطي معه. يسألني أخي عن زفاف حضرته أخيرا... أحدثه عنه، يبتسم و يدعو لي بالزوج الطيب فأنظر إليه باستغراب ولا أعرف بم أجيب. مع أمي أمر بباب الفندق الجديد، تشير لمبنى صغير جانبي فأخبرها أنه صالة للمناسبات "خلاص نعمل فيه زواجك إن شاء الله"، مجددا أنظر إليها باستغراب وأيضا لا أعرف بما أجيب. حين أبدي إعجابي بمصباح كرستالي في محل ما تقول "حين نجهز بيتك نشتريه"، انفجر هذه المرة ضاحكة وهي تنظر إلي باستغراب. وأشك أن أفكاري تكتب على وجهي وماهم إلا يعلقون عليها! أم أننا حين نحلم فقط يبدأ الكون في التواطيء معنا لتشكيل هذا الحلم؟ كل ما علينا أن نتخطى تلك العتبة الأولى. عتبة الحلم.


---------
* سلطان في مسرحية "العيال كبرت".