Monday, February 25, 2008

!أنا تلسكوب؟




بهو عريض...سقف خفيض... وأبواب متراصة.
من السقف تتدلى مصابيح شتى تنير المكان. أجرب كل الأبواب على التوالي فأجدها كلها مقفلة. كيف سأخرج من هنا إذن؟... في منتصف البهو أجد طاولة زجاجية. أنقر عليها ثم انتبه للمفتاح الذهبي الصغير الموضوع عليها. آه! سأخرج أخيرا!. أركض به إلى الأبواب فلا يفتح أيها... أعود وأعيد الكرة دون أن يفتح أي منها لكنني انتبه هذه المرة للباب الصغير في الركن البعيد الهادئ خلف ستارة طويلة... باب صغير و رواق بالكاد يكفي لمرور فأر. باب صغير مفتوح خير من كبير مقفل.. لكن يبقى كيف سأخرج منه؟ ألصق خدي بالأرض لأنظر أين يفضي رواق الفئران هذا فأرى حديقة. جنة! انظر إلى الأزهار الملونة ونوافير المياه وتتضاعف رغبتي بالخروج إليها! في البيت لا نوافير لدينا ولا أزهار. يجب أن أخرج إليها!
فقط لو كنت أعرف كيف أنغلق كتلسكوب لأستطعت المرور.... أعود إلى الطاولة الزجاجية لعلي أجد كتاب "كيف تنغلق كتلسكوب للحمقى" أو مفتاحا آخر على الأقل....
هذه المرة أجد قنينة صغيرة لم أكن رأيتها قبلا. أتمعن فيها وأقرا الكلمة الوحيدة المكتوبة عليها (اشربيني)... لست غبية لأشرب سما، آليس قالت أنه ليس سماً، ليس من الحكمة أبدا شرب السموم.. ممممم. طعمه ليس سيئا أبدا... يذكرني بـ ..... تارت كرز على كاسترد على أناناس على ديك رومي على توفي على توست بالزبدة.
أنغلق كتلسكوب!
أنا تلسكوب؟! سأستطيع الدخول إلى جنتي إذن!


--

- عن آليس في بلاد العجائب لـ لويس كارول

أميرة البازلاء



من النافذة أرى استدارة القمر وبريقه اللافت. أخرج إليه باحثة عن نظرة أقرب وقراءة في وجهه. حين أصل يخبيء وجهه خلف سحابة نائمة، يقرصها فتستيقظ غاضبة وتبدأ بالصراخ ورش الماء بكل مكان. توقظ كل السحب!... يصلون سريعا يبحثون عمن أقلق منامهم فلا يرون أحدا غيري. أفتح فمي لأبرر... لأنفي... هل أهرب؟ ولكن إلى أين!
ينهمر الماء بكل مكان و وحدي أقف وسط العاصفة التي تحملني معها و تلقي بي أمام باب هائل ثم ترحل. أقف في بركة ماء وأطرق عليه بأصابع مثلجة. يفتحون لي وينظرون إلي مستنكرين بصمت بللي... يقطر الماء من رأسي وحتى طرف حذائي الوردي.
ولكنني أميرة! أقولها بحدة وخجل ثم اسكت.
سنرى سنرى... تأخذني من يدي إلى حجرة و تسألني الإنتظار في البهو للحظة...
ترفع كل الأغطية وحتى الفراش عن السرير.من جعبتها تخرج حبة بازيلاء وتضعها على الهيكل العاري. تمر أمامي عشرون خادمة كل منهن تحمل فراشاً، كل واحدة تدخل ثم تغلق الباب، ما أن انتهي من العد حتى تصل عشرون خادمة أخرى بعشرين فراش من ريش البط الناعم.... يدخلن ويغلقن الباب تباعاً وأنا واقفة في البهو...
يفتحون لي فأجد كرسيا بمنامة وردية موضوعة عليه و سريرا شاهقا. متعبة جدا.... ألبس منامتي الوردية وأرتقي السلم الموضع بجانب السرير. استلقي فوق الأربعين مرتبة وأنام غير قريرة...
استيقظ بوجع في أسفل ظهري وأطراف منملة... أشعر برغبة بالبكاء لكنني أتذكر بللي ليلة أمس ولا أرغب بأي بلل ولو كان من الدمع.
حين أخرج أجدها تنتظرني في البهو... هل نمتِ جيدا؟ انظر إليها بصمت بعينين متعبتين وهالات سوداء. ترى يدي تمسد أسفل ظهري.. تبتسم بفرح وتقول لم تنامي جيدا! أنت أميرة حقيقية إذن!
يرتفع حاجباي فقط ولا أجيب... ألم أخبرها بالأمس أني أميرة؟!
------






عن "الأميرة و حبة البازيلاء" للمبدع هانس كريستيان آندرسن



في البدئ كانت أميرتي هنا صحراوية تحملها عاصفة رملية لكني آثرت العودة لها كما ...


قد أعود لتتمها بتلك التيمة في وقت آخر






Thursday, February 21, 2008

الكمال المفقود


يروى عن باولوا ابن كويلو عن أفلاطون. أننا في البدء كنا كائنا واحدا. عنق ممتد، رأس ووجهان متلاصان، وجه لامرأة وآخر لرجل، أربعة أيدي وأربعة أرجل...


أثار هذا المخلوق المكتفي بذاتيه الملتحمتين غيرة وحقد الآلهة الإغريقية... بأذرعه الكثيرة القادرة على الإنجاز، بأقدامه الكثيرة التي لا تكل المشي، برغباته المشبعة...
لاتراعوا، قال زيوس. وجد كبير الآلهة زيوس الحل الناجع الذي سيرضيهم فضرب ظهر هذا الكائن بصاعقة قاصمة فصلته إلى جزئين...
تشتت الأجزاء ...ضعفت الهمم... فقد كل منا نصفه الآخر، فقد كماله في توحده مع الآخر... ومن وقتها وبني البشر يهيمون على هذه الأرض يبحثون عن هذا الكمال المفقود، عن رجل وامرأة وعناق يضمهما.


-


*هذه الحكاية أقرؤها للمرة الأولى في رواية "11 دقيقة " لـ باولو كويلو. تصرفت في الرواية لكن المعنى ذاته.

Tuesday, February 19, 2008

أنا و دينا ومرطبان المربى



مثل آليس يدفعني الفضول وملل الظهيرة إلى اللحقاق بالأرنب، أتبعه لداخل الجحر فمازال النهار طويلا ولا أظن أن أختي ستفتقدني إن غبت قليلا... أنزلق! فأجدني أسقط في بئر عميق.... أتابع سقوطي السرمدي بتململ أليس وحوارات أجريها مع نفسي. أي حفرة هذه، متى أطأ الأرض! أحاول أن استبين أين سأقع لكنني لا أرى للبئر نهاية فالظلمة حالكة جدا بالأسفل. أتابع سقوطي المتمهل و انظر حولي أتأمل الأشياء وأنا أتابع السقوط... أدراج و رفوف ممتلئة بالكتب. ممم أحب الكتب، أتسائل عما تتكلم هذه الكتب. ليتني استطيع سؤالها... ها هو مرطبان المربى الذي مرت به آليس لكنه ممتلأ هذه المرة. التقطه وأحكم قبضتي عليه حتى لا ينزلق، يقع مني الغطاء! لكن لا يهم، لن يقتل الغطاء أحدا إذا وقع على رأسه، المهم المرطبان. أتجاهل تعليمات أمي عن آداب الطعام وأدخل إصبعي في المرطبان وألعق المربى... مممم. لا أحب المربى لكنها حلوة كمصاصة ذائبة! لم نأكل شطائر مصاص ذائب؟. مازلت أسقط أسقط أسقط....سأكون أسعد بكثير إذا وصلت إلى الأرض هذا المرطبان ثقيل...
أحلم بقطة آليس دينا فلا قطة لدي لتفتقدني. دينا يا عزيزتي ليتك كنتِ معي. للأسف لا فئران هنا حولي لكنك قد تصطادين خفاشاً و هو يشبه الفأر كثيرا كما تعلمين. أتسائل إن كانت القطط تأكل الخفافيش...
أي نعاس... سأغفو للحظة فقط.... يدي بيد دينا؛ نمشي سويا... هل سبق وأكلت خفاشا يا دينا؟ اصدقيني!

----------------------------------------------------------------

*
· منذ زمن وأنا أنوي قراءة آليس في بلاد العجائب، اليوم وجدت نسخة إنجليزية أمامي ولم استطع إلا أن أقرأ فيها قليلا! ووجدتني أحلم بنفسي آليس. ربما سأحلم مع كل فصل وأجيء هنا لأهذي قليلا...
أي حالم مع مرتبة الشرف هذا الـ "لويس" ليكتب قصة كهذه!
.

Sunday, February 17, 2008

حتى لا تتشاجر الألوان


اضبط منبهي على الرابعة فجرا، بعد حين استوعب أن الصراخ الذي يملأ الحجرة ليس جزءا من كابوس آخر إنما المنبة.
استيقظ وتراودني نفسي بالعودة للنوم، أرفض وانسل من فراشي سعيدة بعتمة ما قبل الفجر.
اليوم استيقظ دون المنبه، الذي كسرت في آخر تقلباتي الليلية التي لا تنتهي بحثا عن منام مريح أكثر، بعد المرة المائة بعد الألف لا يفيق من الإطاحة به عن الكوميدين ويخر صريع قلقلتي. انظر لساعتي فأجدها الرابعة. أميل أكثر لاتهام سلبية أخي تجاه منبهي و نقمته على أوقاته الغير حضارية في القضاء عليه، فهو – المنبه- متعود على خبطاتي ثم ضرب الحبيب لا يقطع النفس!.
في البدء كانت تلك الساعات الأجمل للرسم فطمعت في استحلابها يوميا، أما وقد اصبحت عادة الآن كففت عن استثمار هذا الوقت في الرسم... انهض لفنجان قهوة هاديء وإفطار رائق... كم يختلف الإفطار حين لا يكون محطة ترانزيت. أحضر سلطة من الفواكة وانساق في تنسيق الوانها. أتذكر "جريت" وهي تقطع الخضار لأمها ثم ترتبها كل على حدى، وحين يسألها الرسام فيرمير لم تختار هذا الترتيب ترد : حتى لا تتشاجر الألوان. في رواية "فتاة بقرط لؤلؤي" للكاتبة ترايسي شيفاليير كانت جريت الفتاة التي استقدموها للخدمة في منزل الرسام يوهان فيرمير ووحدها كان يسمح لها بدخول مرسمه وتنظيفه.
انظر إلى سلطتي ويريحني ألا تتشاجر الألوان.
بحلول التاسعة أجد مساويء الشذوذ عن العوام و تغيير ما لا يلزم، أجد لدي متسع لا أعرف فيم املؤه سوى بإفطار ثانٍ! اترك الكتب مشرعة وأنا ضائعة بينها، أريد أن أقرأها كلها فأضيع بينها. أجد ترجمة عربية لـ فينوس وأدونيس لـ شيكسبير التي لفت رأسي خلال اليومين الماضيين بانجليزية عسرة على هضم استيعابي، اقلب فيها ولا أحبها كثير وأقرر العودة لعسرتي السابقة. ألمح الدنيا المسحورة لـ سيد قطب وأتذكر أني لم أقرئها بعد! أقرأ بضع صفحات وأسعد جد أنها تتابع حكاية شهرزاد و شهريار في الليلة المائة بعد الألف. من فترة شاهدت فيلما تلفزيوني أجنبي من جزئين عن ألف ليلة وليلة أو
Arabian Nights
كما يسمونه في ترجمته الإنجليزية، وأتذكر كم أحببت تصوير الممثل لدور شهريار على شفا حفرة من الجنون. الآن يرتبط وجهه لدي بصورة شهريار. دائما تلفتني – في الأفلام/الروايات - الشخصيات الغير سوية أو تفتقر لشيء من الإتزان كيف يحدث أن نتشتت هكذا ونحن نقرأ شيئاً نحبه؟ أقرر أني بحاجة لتركيز أفضل لمتابعة رواية سد قطب فأتركها لأجل لعله قريب.
يبدو الإفطار هدنة معقولة جدا، وأكثر متعة من ممارسة التمارين الرياضية... أهرب إليه حتى أرسم خطة عمل/قراءة واضحة. مع الضحى تحضر أمي، استمع إليها وأوقن بحاجتها لكنائن تمارس عليهن دور الحماة حتى تقدر الهبة – أنا – التي وهبا الله إياها وعندها لن احتاج لتذكيرها بأني ابنتها ولست كنتها!. يطير رواق الصباح وحين تسول لي نفسي التأفف أذكرها –نفسي- بأني كبرت *(أخوك الكبير يا ولد! ( وأفلح في كتم تأففات مراهقة لم تزل فيّ. سريعاً تعود نغمات الانسجام وتخرج مبتسمه.
القرب المبالغ مع الذين نحبهم يغتال علاقتنا بهم، لا يبقى من حيز للتنفس وبدل أن بحث عنهم كل يوم ونمطرهم بوابل من الهواتف تطمئن تسأل تشكي.... نبحث عن لحظات نشتاق فيها إليهم. أمي أريد شقة، فتجيب ألا تكفيك حجرة؟ خذي الغرفة الفلانية شرحة واعتبري ان ذلك الجزء من البيت لك، لن نطأه إن أحببتِ. أقطب و تضحك. جادة أنا، أحتاج لمساحة خالية إلى مني. تنظر إلي ولا تفهم. افقد الأمل في إيصال قصدي إليها دون إزعاجها، ما المزعج في أن نريد أعشاش خالية؟ هذا عش مأهول وأحتاج مساحة جديدة تخصني. فطرتي هنا سوية تماما ولا رغبة لدي بالتعلق بمريلة أمي أبد الدهر. هكذا فطرنا... وإن لم يكن ما لقنت بأي شكل. يخطر لي أني لم أحلم يوما بفستان أبيض و فارس على حصان أبيض. بالعكس كانت الصورة منفرة تماما لتمردي ورفضي للقمع والتسلط. كيف يحدث أن ربطت الاثنين ببعض؟ وفي حين كنت استمتع بالحلم مع الروايات الرومانسية لم أستطع ربطها بأرض الواقع. وقررت إن لم توجد حياة كتلك التي يحكونها في الكتب فالله الغني! يخطر لي حديث الفساتين والفرسان لأني قبضت على نفسي غير مرة أتابع عروض لفساتين أعراس بتمعن، وأرسم أشكالا برأسي لما قد يناسبني - وهو ما لم أفعل يوما- ويبدو غريبا وطريفا للغاية! حلمت بالطفل لا بالزوج، و حين يسألني أحد طيب يا فالحة ما الزواج هو الطريق إلى الأولاد كنت أجيب بثقة و جدية: سأتبنى!
اكتشف أنه عالم بأسره لا أعرف شيئا عن الحلم به أو التعاطي معه. يسألني أخي عن زفاف حضرته أخيرا... أحدثه عنه، يبتسم و يدعو لي بالزوج الطيب فأنظر إليه باستغراب ولا أعرف بم أجيب. مع أمي أمر بباب الفندق الجديد، تشير لمبنى صغير جانبي فأخبرها أنه صالة للمناسبات "خلاص نعمل فيه زواجك إن شاء الله"، مجددا أنظر إليها باستغراب وأيضا لا أعرف بما أجيب. حين أبدي إعجابي بمصباح كرستالي في محل ما تقول "حين نجهز بيتك نشتريه"، انفجر هذه المرة ضاحكة وهي تنظر إلي باستغراب. وأشك أن أفكاري تكتب على وجهي وماهم إلا يعلقون عليها! أم أننا حين نحلم فقط يبدأ الكون في التواطيء معنا لتشكيل هذا الحلم؟ كل ما علينا أن نتخطى تلك العتبة الأولى. عتبة الحلم.


---------
* سلطان في مسرحية "العيال كبرت".

Friday, February 15, 2008

أصص وخضرة روح


تورق أخيرا... بعد قحط وعراء سكنا هذا الفناء لعام وبعض عام لغير ما عذر مقبول تبعث فيه الحياة. انظر للأصص القليلة الموزعة في انتظار غرسها، أتذكر بحنين كل الخضرة التي كانت... عبق الياسمين، حمرة التوت وأوراق الليمون العطرية...
هناك كانت تتهادى زهور الشمس باسقة ناح السماء، معها اكتشفت أن الببغاوات تعرف الطريق إلى بيتنا فقط لو زرعنا لها زهور الشمس!
أذكر نفسي بحمد تلك النعمة الصغيرة – تلك الأصص الخمسة- لتربوا وتفيض على الفناء القاحل.
حين استحال رملا أصفر لا تسكنه الحياة كرهت لحظات المرور به، انتابني شعور كريه بأنه أصبح انعكاسا لساكنيه، انعكاساً لي... يعري دواخنا بعد أن كان يستر عري أرواحنا بأوراقه الخضراء. صرت اتجنب النظر إليه حتى لا أراني فيه.
اليوم يورق ببطء... قليلا قليلا يعود ويحيا. رويدا رويدا.
حول حوض الماء الصغير تتجمع الطيور كل صباح لتشرب، وكل صباح أحضر فنجان قهوتي و أعرج على نافذة المطبخ حتى استقي من منظرها وأروي روحي. واليوم يورق الفناء... يورق من جديد. تعود الحياة إليه... إليّ؟...
حين تقتحم أفكاري أحاول تجاهلك بشراسة فأجد رسائلك بين يدي... اكتشف أني لم أفلح بعد في غلق نافذة ميتافيزيقية تصلني بك. في لحظات نادره يمر عليّ عالم يعنيك أن تدركه فانتعل حذاء واطي برباط صارم و أرسم على وجهي تقطيبة وشنب قبل أن أكتب لك سطر أو اثنين يدلونك على طريقه وأهرب إلى ما وراء النهر...لست سوى أحد رفاق قهوتك الليلية وأحاديث الكتب وإياك أن تنسى فلن أنسى!... أعرف أنك تقرؤها بين السطور لكننك تتجاهل بوز حذائي العريض وشنبي الكث... أجيب بكلمات تناسب دوري المتقمص...تمتعض و تسكت
.

كل عام وأنت ومنك وإليك الحب.

أتأمل بطاقتك وتملؤني رغبة بالبكاء! لازلت تملك القدرة على استدراج دموعي إذن. أرفض الانصياع لها فترحل سريعا. أعض على رغبة بالضحك تنبعث مكانها و أنا أتذكر أبي نواس و "داوني بالتي كانت هي الداء"، وحلم بأدونيس يمحوك من عالمي بخصلاته الشقراء وعيونه العسلية وعفويته المفاجئه. مذ رأيت ذاك الحلم اطمأننت لأن الحياة ستستمر بعدك.
أجد أني لا أملك ما يكفي من الشراسة لأفصح لك عن كل ما يعتمل برأسي وما تستحق، وحتى لا تشير إلي كمصدر لأي وعكة صحية تلم بك كما كنت تفعل متجاهلا رأي الأطباء كحماقة لا تفقه القلوب. أقرر ألا أشركك بها فأدون
بعضها حتى أفرغك من رأسي بسلام بدل أن تترسب قرحة تخترق جدار معدتي... من قال أن الكتابة للأدباء فقط.




Friday, February 8, 2008

على أكتاف دبِقة


أسرف في تعلقي ببسكويت الشوكولاته وافتقد وجوده إن مر يوم دون أن يجلس بسحنته الداكنة وقلبه الأبيض على مكتبي. ينتعش غرام الطفولة به فأبحث عنه. أتذكر كل ما يقال في الحب والشوكولاته. هل حقا نبحث عن المواساة في أحضانها دونما انتباه منا؟ هل يغني لوح شوكولا عن الحب؟ آه أن نرمي بحمولنا على حلاوة كتفها الدبق؛ تلك الشوكولاته! يبدو ذلك أطرف وأسخف من أن يكون حقيقا. ما أحلى الحياة الطريفة السخيفة، تبدو مريحة.
يوبخ تعلقي بها وفقداني لإتزاني الغذائي المحموم أنا التي كنت لا أرى الحلو إلا في المناسبات. يعدني بأرطال لن تقوى ثيابي على حملها إن لم أكف. أقطب في وجه وقاحته ثم أعده بنزق بالإلتزم ببرنامجه الرياضي فقط ليكف عن إزعاجي.” مازلت أجمل وأرشق منك أيها الوقح!”. أهدده بالخربشة بفرشاتي الملأى على وجههه إن لم يخرج فورا من مرسمي، تتردد ضحكاته في الأرجاء قبل أن تنساب متقصية آثار خطواته الرشيقه إلى البهو الخارجي..
.

في وجه البحر ابتسم. يغمرني تناقض دفئ الشمس والنسمات الباردة، دوما أحببت التناقضات... أشعر بامتنان مضاعف لإلحاحه الذي أتي بي إلى هنا. أتجنب خطوات العابرين حولي وأبحث عن مساحة تحتويني لا يشاركني فيها أحد. أتجاهل الجميع حولي وأتخيل أني وحدي هنا دون عربات أطفال تحاول فرم أطرافي، دون قناصين يبحثون عن فريسة جديدة أو مهرجين يبحثون عن مكب لنوادرهم السمجة. في هذا الزحام وحدي مع البحر والشمس.
تشدو فايزة أحمد في أذني تغني نزارا....
لا تدخُلي
وسددتَ في وجهي الطريق بمرفقيكَ، وزعمتَ لي
أن الرفاق أتوا إليك، أهُمُ الرفاق أتوا إليك
أم أن سيدةً لديك تحتلُ بعدي ساعديك ؟
وصرختُ محتدماً قفي ! والريحُ تمضغُ معطفي
والذل يكسو موقفي… لا تعتذر يا نذلُ لا تتأسف
أنا لستُ آسفةً عليك، لكن على قلبي الوفي
قلبي الذي لم تعرِفِ . ماذا لو انكَ يا دني أخبرتني
أني انتهى أمري لديكَ. فجميعُ ما وشوشتني
أيامَ كنتَ تحبنيَ ؛ من أنني …
بيتُ الفراشةِ مسكني وغدي انفراطُ السوسنِ
أنكرتهُ أصلاً كما أنكرتني
لا تعتذر
فالإثمُ يحصدُ حاجبيكَ وخطوط أحمرها تصيحُ بوجنتيك
ورباطُكَ المشدوه يفضحُ
ما لديكَ ومن لديكَ
يا من وقفتُ دمي عليكَ
وذللتنيَ ونفضتني
كذبابةٍ عن عارضيك
ودعوتُ سيدةً إليكَ وأهنتني
من بعد ما كنتُ الضياء بناظريك
إني أراها في جوار الموقدِ؛ أخذت هُنالك مقعدي
في الركن ذات المقـعدِ
وأراك تمنحها يداً مثلوجةً؛ ذاتَ اليدِ
سترددُ القصص التي أسمعتني
ولسوف تخبرها بما أخبرتني
وسترفع الكأس التي جرعتني
كأساً بها سممتني
حتى إذا عادت إليكُ لتروُد موعدها الهني
أخبرتها أن الرفاق أتوا إليك
وأضعت رونقها كما ضيعتني
-
يجذبني حقد كلمات نزار أكثر من أناقة ما غنت فايزة، ربما لأني لا أجيد نفث غضبي حمما بركانية بدل من عواصف الثلج....

تصلني صيحات خافتة من البعيد لا أتبينها. انظر حولي باحثة عن مصدرها، على وجه الماء أجدها! تتسمر قدماي و أنظر ...
آه... طيور الفلامنجو... يمتلأ قلبي دفئا بمنظر تلك الطيور بسيقانها الرشيقة وأطرافها الوردية. اتأملها طويلا طويلا بفرح طفولي لا يشوبه شيء... من كان ليظن أن أهل الصحراء لهم نصيب من ذلك الجمال، لم أعرف أبدا أنهم يعرجون علينا في رحلاتهم الشتوية.
ما أطيب منظرها.... لو أمكنني التزود منها كل يوم بدل بسكويت الشوكولا
!

أعود لبيت ممتليء وجلسة لا أرغب بالمشاركة فيها... تشكو إلي حال ليلى"بكاءة هي؛ ليتها تكون مثلك!". انظر إليها غير فاهمة. لا أعرف إن كان ما أسمع مدحا أم ذما. اضحك بعد لحظة وأجيبها: بكينا كثير وبعدين؟
استبين حقيقة أني لا أذكر آخر مرة بكيت فيها وإن في عزلتي خلف الحجب... معه بكيت كثيرا ولم أبك بعده. "أحب أن أراك تبكين، أريد أن أُبكيك"... لم نفترض بغباء أن أي شيء لم نشهده يعني أنه لم يحصل.
دوما تستيقظ فطرتي النسوية في حضرته وأتوجس من استيقاظ نزعة للقسوة قد تسكنه، فأستحضر تاريخ قبيلتي ونساء تسِم النسوية جباههن ليحمينني ...
استنفذ طاقتي للدموع ويريحني غيابها؛ لا تريحني. ثم كيف لي أن أوازن بينها وبين الفرح، قسرا أتعلم الفرح حتى يغدو عادة. أتبادل الأماكن و ليلى، أفقد دموعي و تكتسبها أنهارا. أشاطر حزنها ووحدي أفهمه، لكن كل منا تتعامل معه بطريقتها هي دموعا وأنا فرحا!

* اللوحة أعلاه لـ جبر علوان

Friday, February 1, 2008

لولو


تجلس الصغيرة لولو على الأرض، تجمع الأحذية حولها. ترتبها تصاعديا...تنازليا... تنقلها من طرف لآخر ثم تعيد ترتيبها. أرقبها بصمت من بعيد حتى لا أقطع لعبها أو يبتلعها الخجل ولسانها ككل مرة تلمحني مقتربة. تغني لنفسها. تشكل عائلة من الأحذية وتبدأ بنسج قصص عنها. تلتقط زوجين كبيرين و ترك ترك ترك؛ بابا ذاهب إلى العمل! تلتقط آخر.... تتوالى الحكايات والأزواج... انظر بدهشة تامة ورغبة متدفقة بالضحك ملأ قلبي فرحا بها، معين لا ينضب من الحكايا هي. أتابع بصمت ودهشة الحكاية الأولى. أتفرج على عوالم لولو الصغيرة الكبيرة بصمت دفء و حبور. نصف ساعة معها كانت كفيلة بإفهامي لم لا يكتشف كتاب كثر موهبتهم في كتابة قصص الأطفال إلا بعد أن يصبحوا آباء وأمهات. يفتح لهم صغارهم الأبواب ليروهم عوالم نسيوها، عوالم من نسج الخيال، تلك التي كانت موطنهم في يوم، يوم كانوا بعمر صغارهم.
ينهض والداها للرحيل؛ هيا يا لولو... فتنفجر باكية وتتساقط دموعها منهمرة كحبات البرد. يعلوا نواحها وكأن قلبها ينفطر، تركض نحوي تحتضنني وتتابع البكاء. أنظر إليها وأحس بالضياع التام، التفت إلى والديها تخالجني حاجة للتبرير، النجدة، أو التأكد إني لن أجد تهمة ملصقة في عيونهم لجرم لم اعرف أني ارتكبته. أجد الضحكات مرسومة في عيونهم!
تتدخل ماما بحرفية لتفهم ما يؤرق صغيرتها. "لكني لا أريد الذهاب؛ أريد أن أبقى معها! " تفلح وعود ماما بحبات الحلوى وأصابع الشوكولاته وإغراءات اللعب مع أخواتها اللاتي سيحزنّ كثيرا إن عادا إلى البيت بدونها في تهدئة لولو. تبتسم وتسوي فستانها الأبيض وشريطتها الحمراء قبل أن تركض نحو الباب مستعجلة والديها...
أعود إلى الداخل لأجدها تركت لي على المكتب رسمة أو خربشة تمثل فتاة نحتت تحتها اسمي.
-
( إلى صوفي
هبيني الصفاء لأقبل ما لا أقوى على تغيره
والشجاعة لتغيير ما أقوى على تغييره
والحكمة لأعرف الفرق
.)
اقرأ الإهداء لصغيرتة على كتابة الذي بعث إلي... هل كان ليكتب للأطفال إن لم تدخل صوفي إلى حياته وتقلبها رأسا
على عقب، هل كان ليسعى ليكون شخصا أفضل...
-
تحضر لزيارتنا، تتكلم عن الغياب والعودة، تضحك، تحكي... تقطب للحظات ثم تنجلي عيناها ويغشاها نور المعرفة. أي
هدوء! لا رائحة للأطفال هنا. هدوء يتلازم مع الكبار فقط. كأنه بيتي قبل صغيرتي، لم نعرف ما ينقص حتى جاءت.
املؤا البيت صغارا!