Thursday, May 3, 2007

شعر، مراوح وكاستانايت




مؤخرا تختفي مقدرتي على قراءة الشعر ولا أقرب أيا من الدواوين المكدسة في مكتبتي. لا أستطيع ولا أريد. لا يكفي أن أقرأ أريد أن أسمعها! علاقة الشعر بالأذن وثيقة وأنا امرأة تحب أن تسمع.. أملأ جهازي الموسيقي بكل ما تطال يدي من الأشعار التي أحب, وحين أسمعها لا أعود أرى الكلمات الباهتة المرسومة على الأوراق سوى نسخة مزورة. استمع إليها بنهم وأحلم بأمسيات على ذوقي قد أحضرها. استمع إليهم بشتى اللهجات، تلك التي لونت طفولتي وارتسمت بسمات واسعة على وجوه صغيرات كونّ عالمي. يخيب أملي بعض الشيء وأنا استمع لإلقاء بعض الأصدقاء الذي لا يرقى لمستوى أشعارهم، فذاك فن آخر يجب احترافه، لكن قلبي لا يسمح لي أن أقول لهم ذلك، واحتفظ بتلك أيضا.
أقلب بمحض صدفة بالتلفاز فأشاهد برنامجا لا أتابعه لتنسرق أنفاسي مع إلقاء "رودي رحمة". اتقرفص على الأرض ووجهي يكاد يلامس التلفاز كما كنت أفعل وأنا طفلة حين أجد مسلسلة كرتونية أحبها فأتسمر أمامها وأنسى كل ما عداها. مع رودي عدت تلك الطفلة وأنا أكف فمي بأصابعي كأن الكلمات ستنسحب رغما عني لتسرق تركيزي وتشوش علي كلماته أو تحجب عني البروق المشتعلة في عينيه. وما أن ينتهي حتى أصفق بحرارة وفرح طفولتي وأنا أرى طائرتي الملونة ترتفع أخيرا لتحلق في السماء. كيف أقرأ شعرا بعد الآن؟ حتى جهازي الموسيقي قاصر عن التقاط تلك البروق في عيني رودي!
استيقظ اليوم بعيد الفجر لأرسم، أخرج إلى الفناء والتقط زهرة صغيرة بعد تردد طويل وشعور بالذنب وأنا أرى النحل يتنقل حولي من زهرة لأخرى وأخشى أني أحرم أحدها من طعامه! أتذكر أني لم آكل منذ صباح الأمس وأقرر أني سأكافيء نفسي بفطور من الجاتو والكافيين. من المضحك أن نتعامل مع أنفسنا أحيانا كما نعامل الصغار، خاصة حين نكافئ أنفسنا بأشياء لا نريدها أصلا!
أتابع صباحي مع "كارمن" و"ماريا كالاس"، أرى صورة صغيرة لما قد تكون عليه تلك الأوبرا التي أعشق على المسرح بكل جنون وعشق و دراما الغجر والمسرح والأوبرا. حين تغني بلسانك وقلبك وجسدك، حين تغني بروحك. تذكرني بتلك الكاستانايت (الصناجات الخشبية) الأسبانية السوداء التي كنت أملك في صغري، و لاحقا تعب تلك السيدة اللاتينية وهي تحاول أن توصل إلي – مراهقة حائرة- أن الرقص ليس حركة فقط بقدر ماهو معركة! منافسة ثورية أخوضها مع آخر. أنقب في أشيائي القديمة فيما أكتب واستخرج ذلك الشريط الأسباني الذي لازمني غير أمسية وبعد ظهيرة وأنا أحاول متابعة تعليماتها و أتذكر أيضا أني لم أكن لأرفض بعند أحد الأدوار الرئيسية مهما كان يدفعني خجلي من الأضواء لذلك لو كنت رأيت فقط ذلك الثوب الأحمر الرائع!
أطالع "كارمن" صورة موسيقية حية بالألوان وأفهم افتتان ذلك الرسام بالراقصات اللاتينيات الاتي يملأن لوحاته. أتشرب كلماته لما وراء تلك اللوحة الدراماتيكية لتلك الراقصة الأسبانية باستدارة ثوبها، خفقة مروحتها وملامح الألم والثورة التي تتقمص وجهها واختلاجات جسدها. أجهد في البحث عن تسجيل لتلك الرقصة، لموسيقى سكنته ويعيد اقتناص لحظة ملونة منها على أوراقه كل فترة. استمع لتلك الموسيقى الحزينة ، تلك الخطوات الواثقة، انظر إليهن وأفهم افتتانه. أتسائل كيف يمكنك ألا تكون فنانا حين تعاصرهم أولئك الذين يستدرجونك إلى عالم الخيال وكيف لا تلتهب كل حواسك وطاقاتك معهم. أتأمل في صورته المضحكة وهو شاب صغير بشعره الثائر يحتضن جيتاره قبل أن يسرقه الرسم واستدرك حماقتي حين أفكر بأنه قد يكون الوقت فات على أن أرسم كما أحب و أنا بعد أحبو في عامي الرابع فيما أراه اليوم رائعا تماما في عامه الخامس والعشرين.