Wednesday, April 11, 2007

أكورديون على الدرب


منذ فترة والأكورديونات تتراقص في مخيلتي. يقفز إلى مقدمة الذاكرة أكرديون الطفولة بحمرته القانية، ونشاز منقطع النظير صاحب ضحكاتنا المجلجلة، خلال ذلك الهوس الموسيقي الذي اعترى طفولتي دون أن يمر بتجربة حقيقية.
على أصابع البيانو الصغير اكتشفت يوماً أنه ليس "لعبة" فقط. وبانبهار كامل كنت أجلس إلى جانبه، أقلب عيني ما بين ضحكته الشقية وأصابعه الرشيقة التي تمسح على أصابع البيانو، حتى يغيب في ذكريات لا أعرفها ينبثق معها صوت الحياة بين يديه، فترتسم الدهشة على قسماتي وتجعيدة أنفي الصغير وأنا أفكر يمكنني أنا أيضا فعل ذلك، لكن كيف؟.
ثم يظهر آخر متخفي بين طيات ذاكرة لا أكاد أميزها، يكشف عن وجهه فتكاد تشهق روحي شوقاً له ولطفولة مبكرة قضيتها في حضنه، وتوقضها صورة تجمعني به. أتأمل في عينيه المختبئتين خلف نظارته الشمسية، وياقة قميصه المفتوحة لتشي سلسلة تطوق عنقه، وأنا أجلس بدعة وأمان بين ذراعيه القويتين. حتى اختفى يوما ولم يخلف سوى جيتاره الأسباني وصور ربما لم تعد تشبهه...
اندهش اليوم أكثر وأنا أتذكر كم من مروا بألحانهم في ملاعب طفولتي، وكم الدم الذي أتشاطره مع بعضهم. وأتسائل إن كان أي منهم مازال يعيش موسيقاه كما كانوا يوم عرفتهم في عنفوان الشباب؛ طفلة تلعب على درجات سلالمهم الموسيقية. أم يكونون نبذوها كرعونة لم تعد تليق بأصدغتهم التي بدأ يخطها الشيب.
تراودني أحلام أكورديونات لأرسمها لا لأعزف عليها، وأفكر كيف تطال يدي أحدها. ترى هل يسمح لي أحد متاجرها باقتناص صور لاكرديوناته وبيانوهاته بكاميرتي الصغيرة؟ ماذا يحدث لو سمحوا لي بالجلوس لبعض ساعات هناك لأرسم؟ بحق الله الناس ترسم حتى في المتاحف!
بعيد المنال عن عيني لكن علّي أجد بعض الصورالجيدة بشيء من التنقيب.
بالأمس كنت أقلب في لوحات "
جبر علوان" فوقعت عيناي على لوحاته الموسيقية.
تصرخني المفاجئة؛ حين أجد سلسلة أكرديونية أحلم بها!

هذا الرجل يقتلني. ...