Thursday, April 26, 2007

طفلتي الضائعة فاتنة أنتِ




لا أغرب من الكتابة اليوم، يلمني حنين لم أعهده للأمس البعيد، لمدرستي. لا تلك التي عرفت في مراهقتي ولكن كما كانت في طفولتي؛ مطعمة بحصص الموسيقى ومعلمة الرياضة التي لم تفق حصص الرياضة بعدها. تلك التي اكتشفت معها روعة أحذية التزلج. لملعب طفولتي، لمريولي القصير وجواربي الطويلة، لعروسة باربي مدسوسة بين الكتب، لحفلات نهاية العام وقبل ذلك كله؛ لرفيقات طفولتي، ترتسم ملامحهن ذات بغتة واحدة بعد الأخرى ولا مهرب منهن. كأن تقليب الذاكرة لا يكفيهن فيجهدن أكثر في تذكيري بعالم كدت أنسى. حتى على صفحات الجرائد وشاشة التلفاز يباغتنني. يبدو الأمر أكثر خرافة من أن يكون حقيقة لكن الحياة أكبر من أي خرافة. أسبوع حافل بهن بشكل غير مفهوم. فلم؟ لم يظهرن الآن أمامي فجأة! حتى افتتاني الحديث بالرقص الشرقي يذكرني بهن، بلحظات السمر الأنثوية البريئة بعيدا عن تعقيدات وتشويه التحليلات الذكورية، فألوم نفسي أن لم أتعلم المزيد منهن. من بين كل الأسماء التي مرت مؤخرا لا يهزني أحد مثلها. منذ سنوات وأنا أتذكرها كلما مررت بذاك السور الشاهق الذي يحيط ببيت كان بيتها، تلك الطفلة الشابة. معها تفتحت عيناي للمرة الأولى على أن قسوة الآباء في حرمان الأطفال من أمهات مكسورات ليس حكرا على المسلسلات. ربما لهذا لازال جسدي يقشعر وتضيق حنجرتي كلما ذكرتها. تلك الطفلة اللطيفة. أليس غريبا حين تتذكر أن طفل مثلك كان إنسان جميلا؟ صافيا كلون الحليب وبحلاوة طعم المربى، تلك الطفلة الحائرة ما بين جنبات قصر خاوٍ من الدفء وعامر بالقسوة، كيف حدث أن اختفت من بيننا ولم أعرف عنها شيئا أبدا، حتى اليوم أذكرها. واليوم بضراوة فائضة، أرفع عيني عن لوحتي المنتهية لأغيب في التلفاز للحظات مع مسلسلة لم أكن أتابعها وأحدق في وجوه أعرفها ولا أعرفها، فيتسلل إلي دفء حكايات ناعمه أحب لهجتها التي كانت قوت طفولتي، فأكاد أركن إليها حتى ينطلق صفير في رأسي فجأة، هل نرى حقا حين ننظر كيف لم يحدث أن لاحظت قبلا أن تلك الممثلة الفاتنة في شموخها تشبهها وتحمل ذات اسمها الغير تقليدي. أتكون حقا وجدت طريقها إلى أحضان أمها المنفية؟ هل آن لي أن أطمئن لأن تلك الطفلة الجميلة لم تُكسر؟
من المؤكد أن لاشيء يعدل دهشة الحقيقة، وبما أن لا مهرب هذه الأيام من وجوهن فقد أجد الجواب غدا يطرق بابي هو الآخر. ما أغرب الحياة.